محتوای سوره البقره و معرفی آن در تفاسیر

1. تفسير القرآن الكريم

سورة البقرة
و يقع الكلام فيها في مقامين:
المقام الأوّل البحوث الراجعة إلى مجموع هذه السورة
كالبحث عن فضلها، و عدد آياتها، و عن نزولها، و تاريخ النزول، و كيفيّته، و عن ارتباطها مع ما قبلها، و غير ذلك.
فهناك مباحث شريفة:

المبحث الأوّل في اسمها
فالمعروف و المشهور أنّه سورة البقرة، فتكون الإضافة بيانيّة، حسب ما تخيّلوه «1».
و لكنه بمعزل عن التحقيق: لأنّ في البيانيّة يحمل المضاف إليه على المضاف؛ لمكان التوصيف و الاتّحاد، و هنا لا يصحّ حمل «البقرة» علی «السورة»،
______________________________
(1) راجع روح المعاني 1: 92.

 و لا توصيف السورة بالبقرة، و يشبه أنّ هذا إنسان زيد، فإنّه حسب الأسلوب العربي غير صحيح، و مجرّد إمكان التصحيح لا يكفي للصحّة، كما لا يخفى.
و يؤيّد ما ذكرناه: أنّ في أحاديثنا الموجودة بين أيدينا، اطلق على هذه السورة البقرة من غير إضافة، كما تشاهدها عند نقلها في بحث فضلها، و ما في التفسير المنسوب إلى الإمام «1» غير حجّة؛ لأنّه حسب ما حقّقه المحقّقون من بعض أهل الذوق، مع ما فيه من الانحطاط إجمالا.
و يؤيّد ذلك: أنّه حسب المحكيّ عنه، قال في أوّل السورة هكذا:
السورة التي يذكر فيها البقرة، و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: «تعلّموا سورة البقرة و آل عمران» «2»
و لعلّه من غلط النّسّاخ، و الأمر سهل.
أيضا يؤيّد ما ذكرناه: ما روي من المنع عن التعبير المزبور في أحاديث العامّة و فيها أنّه يتعيّن أن يقال: «السورة التي تذكر فيها البقرة»، و كذا في سور القرآن كلّه «3».
و يستظهر من بعضهم: أنّ وجه المنع كان كراهة إطلاق البقرة عليها «4»، و هو غريب، بل الوجه ما عرفت، و إلّا كان قبلها يسمّى بعض من السور بالفيل.
فبالجملة: إضافة السورة إلى البقرة غير مأنوس في الإضافات، و تكون من قبيل قولهم: أيّام البيض؛ أي أيّام لياليها البيض، مع أنّه تفسيرغلط؛
______________________________
(1) راجع التفسير العسكري المنسوب إلى الإمام: 60.
(2) نفس المصدر.
(3) الدّر المنثور 1: 18، الإتقان في علوم القرآن 1: 187.
(4) نفس المصدر.

لأنّ اليوم يطلق أحيانا على مطلق الوقت، و أريد هنا أن مطلق ساعات اليوم هي بيض، فلا تغفل.
و عن خالد بن معدان تسميتها ب «فسطاط القرآن»،
و في حديث: أنّها الفردوس لما فيها من العظمة،
و في حديث «المستدرك» تسميتها ب «سنام القرآن» فإنّ سنام كلّ شي أعلاه  «1».
و أمّا ما في روايات العامّة من إضافة السورة إلى البقرة «2»، فهو- مضافا إلى معارضتها بما مرّ- محمول على غلط الرواة جمعا بينها.
.....

المبحث الثالث في عدد آياتها
لا شبهة في أنّها مدنيّة، و خروج آية لا يضرّ بها، كما لا يخفى، و ذلك قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه  (281)، فإنّها حسب ما اشتهر- آخر آية نزلت من السماء يوم النحر في حجّة الوداع بمنی  «4».
______________________________
(1) إلى هنا يوجد في الوافي، فيض الكاشاني 5: 1772.
(2) قد نقل كلام الفيض إلى هنا في هامش تفسير العيّاشي 1: 25.
(4) راجع الإتقان في علوم القرآن 1: 101- 102، و الدّر المنثور 1: 369- 370.

و قيل: آيات الربا من أواخر ما نزل من القرآن  «1»، و عن المقريزي:
سورة البقرة تعتبر أوّل قرآن نزل بالمدينة، و تحتوي على آيات نزلت في فترات مختلفة، فالآيات (135- 131) نزلت في الشهر السابع عشر بعد الهجرة على قول، و الآيات (188- 182) نزلت في الشهر الثاني عشر بعد الهجرة، و الآيات (197- 196) نزلت بعد ست سنين منها، و الآيات (195- 194) نزلت بعد سبع سنين على قول، و الآيات (208- 204) نزلت بعد ثلاث سنين، و الآية (217) نزلت بعد (17) شهرا.
فعلى هذا سورة البقرة ذات ترتيب واحد منذ بدء وحيها، و لكن تكوّنت في أدوار مختلفة أثناء ترتيبها الأخير.
و المشهور- على ما تفحصت- أنّ آياتها تبلغ (286)، و هذا هو المشاهد في تفاسير الخاصّة و العامّة، و هو العدد الكوفي المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السّلام، كما في «مجمع البيان» مع خلوّ كتب الأحاديث عنه «2».
و قال الآلوسي: إنّها (287) على المشهور، و قيل: (286) «3». انتهى.
و هو عجيب، فإنّه عدد بصريّ، و قيل: في الحجازي خمس، و في الشامي أربع‏ «4».
و توهّم: أنّ هذا النزاع بلا ثمرة، مدفوع بما مرّ تفصيله في سورة
______________________________
(1) الإتقان في علوم القرآن 1: 101، الجامع لأحكام القرآن 1: 152.
(2) مجمع البيان 1: 32.
(3) روح المعاني 1: 92.
(4) راجع مجمع البيان 1: 32.

الفاتحة عند البحث عن أنّ البسملة آية «1».
و الذي يظهر لي: أنّ الرجوع إلى النّسخ القرآنية القديمة- و الموجودة بين أيدينا في المتاحف و غيرها- يؤكّد أنّ عدد الآية من كلّ سورة موافق لما هو المتداول اليوم؛ ضرورة أنّ هذه الموافقة تكشف عن النسخ السابقة عليها، و هكذا إلى عصر الوحي و زمان النزول، فإنّ دأب المسلمين و ديدنهم على التحفّظ بجميع خصوصيّات الكتاب بعد جمعه و نشره بين أبناء الإسلام، و كيف لا، و قد حافظوا على الأغلاط الإملائيّة منه التي كانت النسخ الأوّليّة مشتملة عليها، و لهذا يعدّ القول بالتحريف من الرأي الفاسد و المذهب الكاسد. نعم ربّما يوجد بعض النسخ مختلفة مع النسخ المشهورة في عدد الآيات، إلّا أنّها في نهاية القلّة، و لا يعتنى بها. و اللّه وليّ التوفيق و إليه أنيب.

المبحث الرابع في سبب نزولها
بعد الفحص و التدبّر الكامل تبيّن لنا: أنّ هذه السورة نزلت من غير سبب لنزولها، و من الممكن قريبا وجود سبب متعارف، إلّا أنّه لعدم توجّه السلف إلى هذه الأمور قد خفي على المتأخّرين، مع أنّ كثيرا ما يختلف فهم الناس للآيات؛ بعد ملاحظة موردها و سبب نزولها. و من أنّها- حسب ما هو
______________________________
(1) راجع الفاتحة: الآية 1، المبحث الثاني (حول البسملة) المسألة الرابعة، الحكم الثالث.

في بعض كتب التفاسير- نزلت نجوما «1»، و كان أكثر آياتها نازلة في أوّل الهجرة، يمكن حدس سبب النزول من الآيات الاولى من هذه السورة، فإنّ الناس عموما و المدنيّين منهم كانوا على أصناف ثلاثة: فطائفة منهم آمنوا بالرسول، و طائفة لم يؤمنوا، و لكن كانوا من المنافقين، و كأنّهم بنوا على إظهار الإيمان حتّى يتبيّن لهم أمر الإسلام تقدّما و تأخّرا، و يظهر لهم حدود نفوذ النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد الهجرة في جزيرة العرب، فجاءت هذه السورة لتوبيخ هؤلاء الجماعة و تلك الثلة و لتثريب تلك الطائفة على هذه النيّة الفاسدة، و في ضمن ذلك يوجّه المسلمين و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى وجود هذه الطائفة بينهم؛ حتّى يكونوا على حذر منهم، و أن لا يأتمنوا كلّ من يظهر الإسلام.
و أمّا الطائفة الثالثة، فهم الكفّار الذين آمنوا في السنين المتأخّرة أو ماتوا على كفرهم.
فبالجملة: هذه السورة أطول سور القرآن، و فيها أطول الآيات القرآنيّة، و تشتمل- على ما في «أحكام القرآن» لابن العربي- على ألف أمر و ألف نهي و ألف حكم و ألف خبر «2»، و لكنّه غير مصدّق بعد.
و قيل:- كما مرّ- إنّ آيات الرّبا نزلت في أواخر الهجرة، كما أنّ أحكام الصيام مفصّلة نزلت في السنة الثانية من الهجرة «3».
______________________________
(1) راجع تفسير الميزان 1: 43.
(2) راجع أحكام القرآن، ابن العربي 1: 8، و الجامع لأحكام القرآن 1: 252.
(3) راجع الجامع لأحكام القرآن 1: 252.

و ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ تركيز الإعجاز و تثبيته في قلوب المدنيّين كان يقتضي أن تأتي هذه السورة في أوّل الهجرة؛ دفعا لما قد يتوهّم من:
أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يتمكّن من الإتيان بالسور الطوال، و يقتصر على السور المكّيّة القصيرة، و اللّه الهادي إلى الصواب.

المبحث السادس في تاريخ نزولها
و هو على ما في كتاب «نظم الدرر و تناسق الآيات و السور»، و في بعض الكتب الاخر القديمة و الحديثة، و في تاريخ القرآن لبعض المستشرقين، أنّها أوّل سورة نزلت في المدينة، و بعدها الأنفال، و قبلها- على ما يظهر من بعض- هود و السماء و الطارق، و الأمر سهل.
ثمّ إنّها على ترتيب مصحف علي عليه الصلاة و السلام تكون أوّل السور و قد علمت أنّ مصحف عليّ عليه السّلام كان ذا أجزاء سبعة حسب ما ضبطوه  «1» و رووه، و قالوا في حقّه: إنّه جلس في بيته ثلاثة أيّام حتّى جمع القرآن، و هو أوّل بيت جمع فيه القرآن من قلبه، و كان المصحف عند أهل جعفر «2»، و قد أشار إلى هذه النسخة من الكتاب الإلهي، اليعقوبي في الجزء الثاني من تاريخه ص 154.
و على ترتيب مصحف أبيّ بن كعب- المتوفّى سنة 20- تكون الثانية، و الاولى الفاتحة، و الثالثة النساء «3». فعن ابن النديم: قال الفضل بن شاذان: أخبرنا الثقة من أصحابنا، قال: كان تأليف السور في قراءة أبيّ بن كعب بالبصرة في قرية يقال لها: قرية الأنصار على رأس فرسخين، عند محمّد بن عبد الملك الأنصاري، أخرج إلينا مصحفا و قال: هو مصحف أبيّ رويناه عن آبائنا، فنظرت فيه، و استخرجت أوائل السور و خواتيم الرسل و هذه الأسماء «4». انتهى ما عن «الإصابة».
و على ترتيب مصحف عبد اللّه بن مسعود- المتوفّى 32 أو 33- تكون هي الاولى و النساء الثانية «5». و هذا هو أيضا مرويّ في المجلد الثالث، صفحة 139،
______________________________
(1) راجع تاريخ اليعقوبي 2: 92.
(2) راجع الفهرست، ابن النديم: 30.
(3) راجع الفهرست، ابن النديم: 29، و الإتقان في علوم القرآن 1: 222.
(4) الفهرست، ابن النديم: 29.
(5) راجع الفهرست، ابن النديم: 92، و الإتقان في علوم القرآن 1: 224.

 من «الإصابة»، عن ابن النديم، عن ابن شاذان أنّه قال: وجدت في مصحف عبد اللّه بن مسعود، تأليف سور القرآن على هذا الترتيب‏ «1».
و على ترتيب مصحف عبد اللّه بن عبّاس- المتوفّى 68- تكون هي الرابعة و الثمانين، و قبلها المطفّفون، و بعدها الأنفال، و الفاتحة في مصحف ابن مسعود غير مذكورة، و في هذا المصحف تكون السادسة.
و قد نقل هذا المصحف الشهرستاني عبد الكريم في مقدّمة تفسيره غير المطبوع، و ذكر محمّد بن عمر الرازي في كتاب «الأربعين» أنّ ابن عبّاس رئيس المفسّرين، كان تلميذ علي بن أبي طالب عليه السّلام  «2»، و عن ابن طاووسنا في كتاب «سعد السعود»: أنّه اشتهر بين أهل الإسلام: أنّ ابن عبّاس كان تلميذ عليّ عليه السّلام  «3». انتهى. فما يذكر عنه له المزيّة الخاصّة و الشأن الكبير، فتأمّل.
و على ترتيب مصحف أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام- على ما نقله الشهرستاني في مقدّمة تفسيره- تكون هي السادسة و الثمانين، و قبلها المطفّفون، و بعدها الأنفال، و لا يوجد فيه الفاتحة «4».
أقول: هذه المصاحف لا تعتبر عندنا؛ لأنّها ليست متواترة، بل و لا محكيّة بالخبر الواحد الحجّة، و قد أشرنا إليها لأجل اطّلاع القارئين
______________________________
(1) راجع الفهرست، ابن النديم: 29.
(2) راجع الأربعين، الفخر الرازي: 468.
(3) سعد السعود، سيد بن طاووس: 296.
(4) راجع تاريخ القرآن، أبو عبد اللّه الزنجاني: 79 حكاه عن الشهرستاني في مقدّمة تفسيره الذي غير مطبوع بعد.

على أنّ هذا المصحف الذي هو بين أيدينا اليوم هو المأخوذ ترتيبا عن المعصومين عليهم السّلام، و قد شاهده أئمّة الحقّ أعواما طويلة و سنين متعاقبة من غير إغماز فيه، و لا إيماء إلى سوء تأليفه. فما أفاده أبو عبد اللّه الزنجاني من: أنّ اختلاف هذه المصاحف في الترتيب يشير إلى أنّ ترتيبها كان باجتهاد الصحابة «1»، في غير محلّه.
فالقرآن بهذه الكيفيّة كان من بدو الأمر، و كان مورد تصديق المسلمين، و يؤيّد ذلك اشتهاره من الابتداء، و عليها النسخ القديمة الموجودة في المخازن.

___________________________
1-راجع تاريخ القرآن، أبو عبد اللّه الزنجاني: 79

 

2. احكام القرآن

سورة البقرة
اعلموا- وفّقكم اللّه- أنّ علماءنا قالوا: إنّ هذه السورة من أعظم سور القرآن؛ سمعت بعض أشياخى يقول: فيها ألف أمر، و ألف نهى، و ألف حكم، و ألف خبر.
و لعظيم فقهها أقام عبد اللّه بن عمر ثماني سنين في تعلّمها، و قد أوردنا ذلك عليكم مشروحا في الكتاب الكبير في أعوام، و ليس في فضلها حديث صحيح إلّا من طريق أبى هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، و إنّ البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان. خرّجه الترمذي.

 

3. البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد

سورة البقرة
قال سيدنا على- كرم اللّه وجهه-: (أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة). و فيها ستة آلاف و مائة و إحدى و عشرون كلمة، و مائتان و ست و ثمانون آية، و قيل: سبع و ثمانون. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم: «لكلّ شي‏ء سنام، و إنّ سنام القرآن سورة البقرة. من قرأها فى بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام، و من قرأها فى بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال، و فيها سيّدة آي القرآن، و هى آية الكرسي». و إنما كانت سنام القرآن، أي ذروته؛ لأنها اشتملت على جملة ما فيه من أحوال الإيمان و فروع الإسلام.
و قال صلى اللّه عليه و سلّم: «أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، و أعطيت طه و الطواسين من ألواح موسى، و أعطيت فاتحة الكتاب، و خواتيم البقرة من تحت العرش».
ثم افتتح السورة برموز رمز بها بينه و بين حبيبه،....

 

4. التبيان فى تفسير القرآن

سورة البقرة
و هي مائتان و ست و ثمانون آية في الكوفي و سبع بصري و خمس مدني و روي أن قوله: و اتقوا يوماً ترجعون فيه الى اللّه- نزلت في حجة الوداع‏.

 

5. التحرير و التنوير

ِسورة البقرة
كذا سميت هذه السورة سورة البقرة في المروي عن النبي‏ء صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جرى في كلام السلف، فقد ورد في «الصحيح» أن النبي‏ء صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه»
 و فيه عن عائشة: «لما نزلت الآيات من آخر البقرة في الربا قرأهن رسول اللّه ثم قام فحرم التجارة في الخمر».
و وجه تسميتها أنها ذكرت فيها قصة البقرة التي أمر اللّه بني إسرائيل بذبحها لتكون آية و وصف سوء فهمهم لذلك، و هي مما انفردت به هذه السورة بذكره، و عندي أنها أضيفت إلى قصة البقرة تمييزا لها عن السور آل آلم من الحروف المقطعة لأنهم كانوا ربما جعلوا تلك الحروف المقطعة أسماء للسور الواقعة هي فيها و عرفوها بها نحو: طه، و يس، و ص و في الاتفاق‏
عن «المستدرك» أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إنها سنام القرآن»
و سنام كل شي‏ء أعلاه و هذا ليس علما لها و لكنه وصف تشريف. و كذلك قول خالد بن معدان إنها فسطاط القرآن و الفسطاط ما يحيط بالمكان لإحاطتها بأحكام كثيرة.
نزلت سورة البقرة بالمدينة بالاتفاق و هي أول ما نزل في المدينة، و حكى ابن حجر في «شرح البخاري» الاتفاق عليه، و قيل نزلت سورة المطففين قبلها بناء على أن سورة المطففين مدنية، و لا شك أن سورة البقرة فيها فرض الصيام، و الصيام فرض في السنة الأولى من الهجرة، فرض فيها صوم عاشوراء ثم فرض صيام رمضان في السنة الثانية لأن النبي‏ء صلّى اللّه عليه و سلّم صام سبع رمضانات أولها رمضان من العام الثاني من الهجرة، فتكون سورة البقرة نزلت في السنة الأولى من الهجرة في أواخرها أو في الثانية.
و في البخاري عن عائشة «ما نزلت سورة البقرة إلا و أنا عنده» (تعني النبي‏ء صلّى اللّه عليه و سلّم) و كان بناء رسول اللّه على عائشة في شوال من السنة الأولى للهجرة، و قيل في أول السنة الثانية، و قد روى عنها أنها مكثت عنده تسع سنين فتوفي و هي بنت ثمان عشرة سنة و بنى بها و هي بنت تسع سنين، إلا أن اشتمال سورة البقرة على أحكام الحج و العمرة و على أحكام القتال من المشركين في الشهر الحرام و البلد الحرام ينبی ء بأنها استمر نزولها إلى سنة خمس و سنة ست كما سنبينه عند آية: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ [البقرة:196]
و قد يكون ممتدا إلى ما بعد سنة ثمان كما يقتضيه قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومات - الآيات إلى قوله- لِمَنِ اتَّقی  [البقرة: 197- 203]. على أنه قد قيل إن قوله: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه  [البقرة: 281] الآية هو آخر ما نزل من القرآن، و قد بينا في المقدمة الثامنة أنه قد يستمر نزول السورة فتنزل في أثناء مدة نزولها سور أخرى.
و قد عدت سورة البقرة السابعة و الثمانين في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة المطففين و قبل آل عمران.
و إذ قد كان نزول هذه السورة في أول عهد بإقامة الجامعة الإسلامية و استقلال أهل الإسلام بمدينتهم كان من أول أغراض هذه السورة تصفية الجامعة الإسلامية من أن تختلط بعناصر مفسدة لما أقام اللّه لها من الصلاح سعيا لتكوين المدينة الفاضلة النقية من شوائب الدجل و الدخل.
و إذ كانت أول سورة نزلت بعد الهجرة فقد عني بها الأنصار و أكبوا على حفظها، يدل لذلك ما جاء في السيرة أنه لما انكشف المسلمون يوم حنين
قال النبي‏ء صلّى اللّه عليه و سلّم للعباس: «اصرخ يا معشر الأنصار يا أهل السّمرة (يعني شجرة البيعة في الحديبية) يا أهل سورة البقرة» فقال الأنصار: لبيك لبيك يا رسول اللّه أبشر. و في «الموطأ» قال مالك إنه بلغه أن عبد اللّه بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها، و في «صحيح البخاري»: كان نصراني أسلم فقرأ البقرة و آل عمران و كان يكتب للنبي‏ء صلّى اللّه عليه و سلّم ثم ارتد إلى آخر القصة.

و عدد آيها مائتان و خمس و ثمانون آية عند أهل العدد بالمدينة و مكة و الشام، و ست و ثمانون عند أهل العدد بالكوفة، و سبع و ثمانون عند أهل العدد بالبصرة.

محتويات هذه السورة
هذه السورة مترامية أطرافها، و أساليبها ذات أفنان، قد جمعت من و شائج أغراض السور ما كان مصداقا لتلقيبها فسطاط القرآن، فلا تستطيع إحصاء محتوياتها بحسبان، و على الناظر أن يترقب تفاصيل منها فيما يأتي لنا من تفسيرها، و لكن هذا لا يحجم بنا عن التعرض إلى لائحات منها، و قد حيكت بنسج المناسبات و الاعتبارات البلاغية من لحمة محكمة في نظم الكلام، و سدى متين من فصاحة الكلمات.
و معظم أغراضها ينقسم إلى قسمين: قسم يثبت سموّ هذا الدين على ما سبقه و علو هديه و أصول تطهيره النفوس، و قسم يبين شرائع هذا الدّين لأتباعه و إصلاح مجتمعهم.
و كان أسلوبها أحسن ما يأتي عليه أسلوب جامع لمحاسن الأساليب الخطابية، و أساليب الكتب التشريعية، و أساليب التذكير و الموعظة، يتجدد بمثله نشاط السامعين بتفنن الأفانين، و يحضر لنا من أغراضها أنها ابتدئت بالرمز إلى تحدي العرب المعاندين تحديا إجماليا بحروف التهجي المفتتح بها رمزا يقتضي استشرافهم لما يرد بعده و انتظارهم لبيان مقصده، فأعقب بالتنويه بشأن القرآن فتحوّل الرمز إيماء إلى بعض المقصود من ذلك الرمز له أشد وقع على نفوسهم فتبقى في انتظار ما يتعقبه من صريح التعجيز الذي سيأتي بعد قوله:
وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلی  عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِه [البقرة: 23]. فعدل بهم إلى ذات جهة التنويه بفائق صدق هذا الكتاب و هديه، و تخلص إلى تصنيف الناس تجاه تلقيهم هذا الكتاب و انتفاعهم بهديه أصنافا أربعة (و كانوا قبل الهجرة صنفين) بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك التلقي. و إذ قد كان أخص الأصناف انتفاعا بهديه هم المؤمنين بالغيب المقيمين الصلاة- يعني المسلمين- ابتدئ بذكرهم، و لما كان أشد الأصناف عنادا و حقدا صنفا المشركين الصّرحاء و المنافقين لف الفريقان لفا واحدا فقورعوا بالحجج الدامغة و البراهين الساطعة، ثم خص بالإطناب صنف أهل النفاق تشويها لنفاقهم و إعلانا لدخائلهم ورد مطاعنهم، ثم كان خاتمة ما قرعت به أنوفهم صريح التحدي الذي رمز إليه بدءا تحديا يلجئهم إلى الاستكانة و يخرس ألسنتهم عن التطاول و الإبانة، و يلقي في قرارات أنفسهم مذلة الهزيمة و صدق الرسول الذي تحداهم، فكان ذلك من رد العجز على الصدر فاتسع المجال لدعوة المنصفين إلى عبادة الرب الحق الذي خلقهم و خلق السماوات و الأرض، و أنعم عليهم بما في الأرض جميعا.
و تخلص إلى صفة بدء خلق الإنسان فإن في ذلك تذكيرا لهم بالخلق الأول قبل أن توجد أصنامهم التي يزعمونها من صالحي قوم نوح و من بعدهم، و منة على النوع بتفضيل أصلهم على مخلوقات هذا العالم، و بمزيته بعلم ما لم يعلمه أهل الملأ الأعلى و كيف نشأت عداوة الشيطان له و لنسله، لتهيئة نفوس السامعين لاتهام شهواتها و لمحاسبتها على دعواتها. فهذه المنة التي شملت كل الأصناف الأربعة المتقدم ذكرها كانت مناسبة للتخلص إلى منة عظمى تخص الفريق الرابع و هم أهل الكتاب الذين هم أشدّ الناس مقاومة لهدي القرآن، و أنفذ الفرق قولا في عامة العرب لأن أهل الكتاب يومئذ هم أهل العلم و مظنة اقتداء العامة لهم من قوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي‏ [البقرة: 40] الآيات فأطنب في تذكيرهم بنعم اللّه و أيامه لهم، و وصف ما لاقوا به نعمه الجمة من الانحراف عن الصراط السوي انحرافا بلغ بهم حد الكفر و ذلك جامع لخلاصة تكوين أمة إسرائيل و جامعتهم في عهد موسى، ثم ما كان من أهم أحداثهم مع الأنبياء الذين قفوا موسى إلى أن تلقوا دعوة الإسلام بالحسد و العداوة حتى على الملك جبريل، و بيان أخطائهم، لأن ذلك يلقي في النفوس شكا في تأهلهم للاقتداء بهم. و ذكر من ذلك نموذجا من أخلاقهم من تعلق الحياة: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلی حَياةٍ [البقرة: 96]، و محاولة العمل بالحسر وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِين  إلخ [البقرة: 102] و أذى النبي‏ء بموجّه الكلام  لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة: 104].
ثم قرن اليهود و النصارى و المشركون في قرن حسدهم المسلمين و السخط على الشريعة الجديدة: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِين  إلى قوله: وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُون [البقرة: 105- 112]، ثم ما أثير من الخلاف بين اليهود و النصارى و ادعاء كل فريق أنه هو المحق: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصاری  عَلی  شَيْ‏ءٍ إلی  يَخْتَلِفُون  [البقرة: 113] ثم خص المشركون بأنهم أظلم هؤلاء الأصناف الثلاثة لأنهم منعوا المسلمين من ذكر اللّه في المسجد الحرام وسعوا بذلك في خرابه و أنهم تشابهوا في ذلك هم و اليهود و النصارى و اتحدوا في كراهية الإسلام.
و انتقل بهذه المناسبة إلى فضائل المسجد الحرام، و بانيه، و دعوته لذريته بالهدى، و الاحتراز عن إجابتها في الذين كفروا منهم، و أن الإسلام على أساس ملة إبراهيم و هو التوحيد، و أن اليهودية و النصرانية ليستا ملة إبراهيم، و أن من ذلك الرجوع إلى استقبال الكعبة ادخره اللّه للمسلمين آية على أن الإسلام هو القائم على أساس الحنيفية، و ذكر شعائر اللّه بمكة، و إبكات أهل الكتاب في طعنهم على تحويل القبلة، و أن العناية بتزكية النفوس أجدر من العناية باستقبال الجهات: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ‏ [البقرة: 177]. و ذكروا بنسخ الشرائع لصلاح الأمم و أنه لا بدع في نسخ شريعة التوراة أو الإنجيل بما هو خير منهما.
ثم عاد إلى محاجة المشركين بالاستدلال بآثار صنعة اللّه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ‏ إلخ [البقرة: 164]، و محاجة المشركين في يوم يتبرأون فيه من قادتهم، و إبطال مزاعم دين الفريقين في محرمات من الأكل:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُم  [البقرة: 172]، و قد كمل ذلك بذكر صنف من الناس قليل و هم المشركون الذين لم يظهروا الإسلام و لكنهم أظهروا مودة المسلمين: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [البقرة: 204].
و لما قضى حق ذلك كله بأبدع بيان و أوضح برهان، انتقل إلى قسم تشريعات الإسلام إجمالا بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ‏ [البقرة: 177]، ثم تفصيلا: القصاص، الوصية، الصيام، الاعتكاف، الحج، الجهاد، و نظام المعاشرة و العائلة، المعاملات المالية، و الإنفاق في سبيل اللّه، و الصدقات، و المسكرات، و اليتامى، و المواريث، و البيوع و الربا، و الديون، و الإشهاد، و الرهن، و النكاح، و أحكام النساء، و العدة، و الطلاق، و الرضاع، و النفقات، و الأيمان.
و ختمت السورة بالدعاء المتضمن لخصائص الشريعة الإسلامية و ذلك من جوامع الكلم فكان هذا الختام تذييلا و فذلكة: ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوه  [البقرة: 284] الآيات.
و كانت في خلال ذلك كله أغراض شتى سبقت في معرض الاستطراد في متفرق المناسبات تجديدا لنشاط القارئ و السامع، كما يسفر وجه الشمس إثر نزول الغيوث الهوامع، و تخرج بوادر الزّهر عقب الرعود القوارع، من تمجيد اللّه و صفاته: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: 255] و رحمته و سماحة الإسلام، و ضرب أمثال: أَوْ كَصَيِّبٍ‏ [البقرة: 19] و استحضار نظائر: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ [البقرة: 74] أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِم  [البقرة: 243] و علم و حكمة، و معاني الإيمان و الإسلام، و تثبيت المسلمين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ [البقرة: 153] و الكمالات الأصلية، و المزايا التحسينية، و أخذ الأعمال و المعاني من حقائقها و فوائدها لا من هيئاتها، و عدم الاعتداد بالمصطلحات إذا لم ترم إلى غايات: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها [البقرة: 189] لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُم  [البقرة: 177] وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّه  [البقرة: 217] و النظر و الاستدلال، و نظام المحاجة، و أخبار الأمم الماضية، و الرسل و تفاضلهم، و اختلاف الشرائع.

 

6. التفسير القرآنى للقرآن

سورة البقرة
نزولها: نزلت بالمدينة، و هى أول سورة نزلت بعد هجرة النبىّ صلى اللّه عليه و سلم إلى المدينة.
عدد آياتها: مائتان و ست و ثمانون آية.
عدد كلماتها: ستة آلاف و مائة و إحدى و عشرون كلمة.
عدد حروفها: خمسة و عشرون ألفا و خمسمائة حرف.

 

7. التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج

سورة البقرة
مدنيّة إلا آية 281 فنزلت بمنى في حجّة الوداع و آياتها مائتان و ست و ثمانون و هي أول سورة نزلت بالمدينة.

ما اشتملت عليه السورة:
سورة البقرة أطول سورة في القرآن، و هي مدنية، قال عكرمة: «أول سورة أنزلت بالمدينة: سورة البقرة» «1». و تعنى كغيرها من السور المدنية بالتشريع المنظم لحياة المسلمين في المجتمع الجديد بالمدينة، مجتمع الدين و الدولة معا، فلا ينفصل أحدهما عن الآخر، و إنما هما متلازمان تلازم الجسد و الروح، لذا كان التشريع المدني قائما على تأصيل العقيدة الإسلامية، و مبدؤها الإيمان باللّه، و بالغيب، و بأن مصدر القرآن هو اللّه عز و جل، و الاعتقاد الجازم بما أنزل اللّه على رسوله و على الأنبياء السابقين، و بأن العمل الصالح ترجمان ذلك الإيمان، و يتمثل العمل بعقد صلة الإنسان مع ربه بواسطة الصلاة، و بتحقيق أصول التكافل الاجتماعي بواسطة الإنفاق في سبيل اللّه.
و يقتضي تقرير العقيدة التحدث عن صفات المؤمنين و الكافرين و المنافقين، لعقد مقارنة بين أهل النجاة و بين أهل الدمار و الهلاك. كما يقتضي التحدث عن قدرة اللّه عز و جل، ببدء الخليقة و تكريم آدم أبي البشر بسجود الملائكة له، و ترتيب المولى ما حدث معه و زوجه في الجنة، ثم الهبوط إلى الأرض.
______________________________
(1) أسباب النزول للواحدي النيسابوري: ص 11

و استوجب التحذير الإلهي للمؤمنين التحدث في هذه السورة بما يزيد عن ثلثها عن جرائم بني إسرائيل، من الآية 47- 123، فهم كفروا بنعمة اللّه، و لم يقدّروا نجاتهم من فرعون، و عبدوا العجل، و طالبوا موسى عليه السّلام بطلبات على سبيل العناد و المكابرة و التحدي، و بالرغم من تحقيق مطالبهم المادية كفروا بآيات اللّه، و قتلوا الأنبياء بغير حق، و نقضوا العهود و المواثيق، فاستحقوا إنزال اللعنة و غضب اللّه عليهم، و جعلهم اللّه أذلاء منبوذين مطرودين من رحمته.
ثم انتقلت السورة من خطاب أهل الكتاب إلى خطاب أهل القرآن، بالتذكير بما هو مشترك بين قوم موسى و قوم محمد عليهما السلام من نسب إبراهيم و الاتفاق على فضله، و استئصال كل مزاعم الخلاف على القبلة، و بيان الأساس الأعظم للدين و هو توحيد الألوهية، بتخصيص الخالق بالعبودية، و شكر الإله على ما أنعم به من إباحة الاستمتاع بطيبات الرزق و إباحة المحرّمات حال الضرورة، و بيان أصول البرّ في آية: لَيْسَ الْبِرَّ [في البقرة 2/ 177].
ثم أوضحت السورة أصول التشريع الإسلامي للمؤمنين به، في نطاق العبادات و المعاملات، من إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و حج البيت و الجهاد في سبيل اللّه و تنظيم أحكام القتال، و اعتماد الأشهر القمرية في التوقيت الديني، و الإنفاق في سبيل اللّه، لأنه وسيلة للوقاية من الهلاك، و الوصية للوالدين و الأقربين، و بيان مستحقي النفقات، و معاملة اليتامى و مخالطتهم في المعيشة، و تنظيم شؤون الأسرة في الزواج و الطلاق و الرضاع و العدة، و الإيلاء من النساء، و عدم المؤاخذة بيمين اللغو، و تحريم السحر، و القتل بغير حق و إيجاب القصاص في القتلى، و تحريم أكل أموال الناس بالباطل، و تحريم الخمر و الميسر و الربا، و إتيان النساء في المحيض و في غير مكان الحرث و إنجاب النسل، أي في الدبر.
و تضمنت السورة آية عظيمة في العقيدة و الأسرار الإلهية، و هي آية الكرسي، و حذرت من يوم القيامة الرهيب في آخر ما نزل من القرآن، و هي آية وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُون  [البقرة 2/ 281].
و تضمنت هذه السورة أطول آية في القرآن هي آية الدّين، التي أبانت أحكام الدّين من كتابة و إشهاد و شهادة و حكم النساء و الرجال فيها، و الرهان، و وجوب أداء الأمانة، و تحريم كتمان الشهادة.
و ختمت السورة بالتذكير بالتوبة و الإنابة إلى اللّه، و بالدعاء العظيم المشتمل على طلب اليسر و السماحة، و رفع الحرج و الأغلال و الآصار، و طلب النصرة على الكفار.
فالسورة كلها منهاج قويم للمؤمنين، ببيان أوصافهم، و أوصاف معارضيهم و معاديهم من الكفار و المنافقين، و توضيح مناهج التشريع في الحياة الخاصة و العامة، و اللجوء في الخاتمة إلى اللّه و الدعاء المستمر له في التثبيت على الإيمان، و الإمداد بالإحسان و الفضل الإلهي، و تحقيق النصر على أعداء اللّه و الإنسانية.
و من توجيهات السورة أن مناط السعادة في الدنيا و الآخرة هو اتباع الدين، و أصول الدين ثلاثة: هي الإيمان باللّه و رسوله، و الإيمان باليوم الآخر، و العمل الصالح. و الولاية العامة يجب أن تكون لأهل الإيمان و الاستقامة، لكن الإكراه على الدين ممنوع.

سبب التسمية:
سميت هذه السورة «سورة البقرة» لاشتمالها على قصة البقرة، التي أمر اللّه بني إسرائيل بذبحها، لاكتشاف قاتل إنسان، بأن يضربوا الميت بجزء منها،
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏1، ص: 71
فيحيا بإذن اللّه، و يخبرهم عن القاتل، و القصة تبدأ بالآية [ (67) من سورة البقرة] و هي قصة مثيرة فعلا، يعجب منها السامع، و يحرص على طلبها.

 

8. التفسير الواضح

سورة البقرة
نزلت بالمدينة إلا آية 281 فنزلت بمنى في حجة الوداع أول سورة في ترتيب المصحف، و أطول سورة في القرآن، إذ عدد آياتها 286 آية، و فيها أطول آية في القرآن: «آية الدّين».

هذه السورة الكريمة اشتملت على منهجين عظيمين:
الأول جاء في صدرها إلى آية 142 و طابعه أنه خطاب عام لجميع الناس فقد بدئت السورة بالكلام على القرآن، و أثره، ثم بيان موقف الناس منه، فمنهم المؤمن المسالم، و الكافر المجاهر، و المنافق المخادع. ثم اتجهت لخطاب أمة الدعوة- الناس جميعا- حيث دعاهم اللّه إلى الإيمان الصحيح، مبينا لهم إعجاز القرآن و صدق الرسول. ثم ذكر قصة خلق الإنسان و تكريمه، و موقف الشيطان منه.
ثم التفت إلى بنى إسرائيل- الطبقة الواعية في المجتمع المدني- فدعاهم إلى ما فيه خيرهم و ذكرهم بنعم اللّه عليهم، و حذرهم من نقمه، و بين لهم قبائحهم و سيئات آبائهم، و أطال في ذلك، و تعرض لأبى الأنبياء إبراهيم- عليه السلام- و إلى علاقته بالعرب، و إلى موقفهم منه، و كل هذا لا يعرفه الرسول إلا عن طريق الوحى.
أما المنهج الثاني فطابعه أنه خطاب للمسلمين- أمة الإجابة- و هو واقع في عجز السورة و قد بدئ بالكلام على أول حادثة دينية تمس المسلمين و أهل الكتاب- تحويل القبلة- ثم عالجت السورة المجتمع الإسلامى فذكرت الكثير من التشريعات و القوانين، و ما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي المسلم.
و كان الأساس الأول الدعوة إلى التوحيد الخالص للّه، و تعرضت لأحكام القصاص و الوصية و القتال و الإنفاق في سبيل اللّه، و لبيان بعض العبادات كالصيام و الحج، و ظهرت أحكام الخمر، و نكاح المشركات و العدة و الإيلاء و الطلاق و الرضاع، و الربا و أحكام التداين و المعاملات و خاصة الرهن، و في خلال ذلك قصص و حكم، ثم ختمت السورة بالدعاء الإسلامى الكامل.

 

9. التفسير الوسيط للقرآن الكريم

سورة البقرة
سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم، فقد استغرقت جزءين و نصف جزء تقريبا من ثلاثين جزءا قسم إليها القرآن. و تبلغ آياتها ستا و ثمانين و مائتي آية. و قيل سبع و ثمانون و مائتا آية.
و سميت بذلك لأنها انفردت بذكر قصة البقرة التي كلف قوم موسى بذبحها بعد أن قتل فيهم قتيل و لم يعرفوا قاتله.
و هي مدنية بإجماع الآراء، و قد ابتدأ نزولها بعد هجرة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة، و قد نزل معظمها في السنوات الأولى من الهجرة، و استمر نزولها إلى قبيل وفاة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بفترة قليلة.
و كانت آخر آية من القرآن نزولا منها، هي قوله تعالى:
وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُون .
مناسبتها لسورة الفاتحة: هناك مناسبة ظاهرة بين السورتين، لأن سورة الفاتحة قد اشتملت على أحكام الألوهية و العبودية و طلب الهداية إلى الصراط المستقيم اشتمالا إجماليا، فجاءت سورة البقرة ففصلت تلك المقاصد، و وضحت ما اشتملت عليه سورة الفاتحة من هدايات و توجيهات.
مقاصدها: عند ما نفتح كتاب اللّه فنطالع فيه سورة البقرة بتدبر و عناية، نراها في مطلعها تنوه بشأن القرآن الكريم، و تصرح بأنه حق لا ريب فيه، و تبين لنا أن الناس أمام هدايته على ثلاثة أقسام:
قسم آمن به و انتفع بهداياته فكانت عاقبته السعادة و الفلاح.
أُولئِكَ عَلی  هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون  و قسم جحد و استكبر و استحب العمى على الهدى، فأصبح لا يرجى منه خير و لا إيمان، فكانت عاقبته الحرمان و الخسران.
خَتَمَ اللَّهُ عَلی  قُلُوبِهِمْ وَ عَلی  سَمْعِهِمْ وَ عَلی  أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيم .
ثم فصلت السورة الحديث عن قسم ثالث هو شر ما تبتلى به الأمم و هم المنافقون الذين يظهرون خلاف ما يبطنون. و قد تحدثت السورة عنهم في ثلاث عشرة آية، كشفت فيها عن خداعهم، و جبنهم، و مرض قلوبهم، و بينت ما أعده اللّه لهم من سوء المصير، ثم زادت في فضيحتهم و هتك سرائرهم فضربت مثلين لحيرتهم و اضطرابهم، قال- تعالى-:
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُون .
إلى أن يقول: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلی  كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.
ثم وجهت السورة نداء إلى الناس جميعا دعتهم فيه إلى عبادة اللّه وحده و أقامت لهم الأدلة الساطعة على صدق هذه القضية، و تحدتهم- إن كانوا في ريب من القرآن- أن يأتوا بسورة من مثله. و بينت لهم أنهم لن يستطيعوا ذلك لا في الحاضر و لا في المستقبل.
ثم ختم الربع الأول منها ببشارة الذين آمنوا و عملوا الصالحات بأن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، جمعت لذائذ المادة و الروح، و هم فيها خالدون. ثم قررت السورة الكريمة أن اللّه- تعالى- لا يمتنع عن ضرب الأمثال بما يوضح و يبين دون نظر إلى قيمة الممثل به في ذاته أو عند الناس، كما قررت أن المؤمنين يقابلون هذه الأمثال بالإيمان و الإذعان، أما الكافرون فيقابلونها بالاستهزاء و الإنكار.
و قد و بخت السورة بعد ذلك أولئك الكافرين على كفرهم، مع وضوح الدلائل على وحدانية اللّه في أنفسهم و في الآفاق فقالت:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، ثُمَّ اسْتَوی  إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيم .
ثم ذكرت السورة بعد ذلك جانبا من قصة آدم، و قد حدثتنا فيه عن خلافة آدم في الأرض، و عما كان من الملائكة من استفسار بشأنه- و عن سكن آدم و زوجه الجنة، ثم عن خروجهما منها بسبب أكلهما من الشجرة المحرمة.
وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قالُوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ، قالَ: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُون  .. إلخ الآيات الكريمة.
هذا، و قد عرفنا قبل ذلك أن سورة البقرة نزلت بالمدينة بعد أن هاجر المسلمون إليها، و أصبحت لهم بها دولة فتية، و كان يجاورهم فيها عدد كبير من اليهود الذين كان أحبارهم يبشرون. بمبعث النبي صلّى اللّه عليه و سلّم. فأخذت السورة الكريمة تتحدث عنهم- في أكثر من مائة آية- حديثا طويلا متشعبا ..
فنراها في أواخر الربع الثاني توجه إليهم نداء محببا إلى نفوسهم، تدعوهم فيه إلى الوفاء بعهودهم، و إلى الإيمان بنبي اللّه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم فتقول:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَ إِيَّايَ فَاتَّقُون .
ثم تذكرهم في الربع الثالث بنعم اللّه عليهم، و بموقفهم الجحودى من هذه النعم، تذكرهم بنعمة تفضيلهم على عالمي زمانهم، و بنعمة إنجائهم من عدوهم، و بنعمة فرق البحر بهم، و بنعمة عفو اللّه عنهم مع تكاثر ذنوبهم، و بنعمة بعثهم من بعد موتهم، و بنعمة تظليلهم بالغمام، و بنعمة إنزال المن و السلوى عليهم. إلخ.
و لقد كان موقف بنى إسرائيل من هذه النعم يمثل الجحود و العناد و البطر، فكانت نتيجة ذلك أن.
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ، وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه .
ثم تحدثت السورة بعد ذلك حديثا مستفيضا عن رذائلهم و قبائحهم و دعواهم الباطلة، و العقوبات التي حلت بهم جزاء كفرهم و جحودهم.
فنراها في الربع الرابع تذكر لنا تنطعهم في الدين و إلحافهم في المسألة عند ما قال لهم نبيهم موسى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً. ثم تذكر قسوة قلوبهم فتقول على سبيل التوبيخ لهم:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ. وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون .
و نراها في الربع الخامس تحدثنا عن تحريفهم للكلم عن مواضعه عن تعمد و إصرار، و تتوعدهم على ذلك بسوء المصير:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُون .
ثم تحدثنا عن قولهم الباطل: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً.
و ترد عليهم بما يبطل حجتهم، و عن نقضهم لعهودهم و مواثيقهم مع اللّه و مع الناس و مع أنفسهم، و عن عدائهم لرسول اللّه، و عن جحودهم للحق بدافع الحسد و العناد فتقول:
وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً، أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلی  مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلی  غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِين .
ثم نراها في الربع السادس تحكى لنا نماذج من مزاعمهم الباطلة، و من ذلك زعمهم أن الجنة خالصة لهم من دون الناس، ثم ترد عليهم بما يخرس ألسنتهم، و بصور جبنهم و حرصهم المشين على أية حياة حتى لو كانت ملطخة بالذل و الهوان.
استمع إلى القرآن الكريم و هو يحكى ذلك بأسلوبه البليغ فيقول:
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُم صادِقِينَ. وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلی  حَياةٍ، وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُون .
ثم تسوق لنا نماذج من سوء أدبهم مع اللّه، و عداوتهم لملائكته؛ و نبذهم كتاب اللّه، و اتباعهم للسحر و الأوهام.
ثم نراها في الربع السابع تقص علينا بعض الصور من المجادلات الدينية، و المخاصمات الكلامية، التي استعملوها مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لحرب الدعوة الاسلامية، كجدالهم في قضية النسخ، و في كون الجنة لن يدخلها لا من كان هودا أو نصارى، و في كون القرآن ليس معجزة- في زعمهم- و إنما هم يريدون معجزة كونية .. إلخ.
و قد رد القرآن عليهم بما يزهق باطلهم، و يزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم.
و كما ابتدأ القرآن الحديث معهم ابتداء محببا إلى نفوسهم  يا بَنِي إِسْرائِيل ، فقد اختتمه- أيضا- بالنداء نفسه، لكي يستحثهم على الإيمان فقال:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ، وَ لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ، وَ لا هُمْ يُنْصَرُون .
ثم أخذت السورة بعد ذلك في الربع الثامن منها تحدثنا عن الكلمات التي اختبر اللّه بها نبيه إبراهيم، و عن قصة بناء البيت الحرام، و عن تلك الدعوات الخاشعات التي كان إبراهيم و إسماعيل يتضرعان بها إلى خالقهما و هما يقومان بهذا العمل الجليل.
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ، وَ أَرِنا مَناسِكَنا، وَ تُبْ عَلَيْنا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم .
ثم أخذت تقيم الحجج الباهرة، و الأدلة الساطعة على أن إبراهيم ما كان يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما، و على أن يعقوب قد وصى ذريته من بعده أن يعبدوا اللّه وحده و لا يشركوا به شيئا.
ثم ختمت تلك المحاورات و المجادلات التي أبطلت بها دعاوى أهل الكتاب الباطلة، ببيان سنة من سنن اللّه في خلقه، هذه السنة تتلخص في بيان أن كل إنسان سيجازى بحسب عمله يوم القيامة، إن خيرا فخير و إن شرا فشر، و أن اتكال اليهود- أو غيرهم- على أنهم من نسل الأنبياء أو الصالحين دون أن يعملوا بعملهم لن ينفعهم شيئا. فقال- تعالى-:
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ، وَ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُون .
ثم عادت السورة في الربع التاسع منها إلى الحديث عن الشبهات التي أثارها اليهود عند تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، و قد رد القرآن عليهم بما يدحض هذه الشبهات، و يهوى باليهود و من حذا حذوهم في مكان سحيق، قال- تعالى-:
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلی  صِراطٍ مُسْتَقِيم  إلى أن يقول: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي، وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون .
و إلى هنا تكون السورة الكريمة قد فصلت الحديث عن بنى إسرائيل تفصيلا يحمل المسلمين على العظة و الاعتبار، و يعرفهم طبيعة أولئك القوم الذين خسروا أنفسهم حتى يأخذوا حذرهم منهم، و ينفروا من التشبه بهم.
أما المقدار الباقي من السورة الكريمة- و هو أكثر من نصفها بقليل- فعند ما نراجعه بتفكر و تدبر، نراه زاخرا بالتشريعات الحكيمة، و الآداب العالية، و التوجيهات السامية.
نرى السورة الكريمة في هذا المقدار منها تحدثنا في الربع العاشر منها عن بعض شعائر اللّه التي تتعلق بالحج، و عن الأدلة على وحدانية اللّه.
وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ، وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون .
ثم بعد أن تصور لنا بأسلوب بليغ مؤثر حسرة المشركين يوم القيامة و هم يتبادلون التهم، و يتبرأ بعضهم من بعض، بعد كل ذلك توجه نداء عاما إلى الناس، تأمرهم فيه أن يقيدوا أنفسهم بما أحل اللّه .. و أن يبتعدوا عن محارمه فتقول:
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُون .
فإذا ما وصلنا إلى الربع الحادي عشر منها، رأيناها تسوق لنا في مطلعه آية جامعة لألوان البر، و أمهات المسائل الاعتقادية و العملية و هي قوله- تعالى-:
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّين . إلخ.
ثم أتبعت ذلك بالحديث عن القصاص، و عن الوصية، و عن الصيام و حكمته، و عن الدعاء و آدابه، و نهت المسلمين في ختامها عن مقارفة الحرام في شتى صوره و ألوانه فقالت:
وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ، لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُون .
و في مطلع الربع الثاني عشر حكت بعض الأسئلة التي كان المسلمون يوجهونها إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و أجابت عنها بطريقة حكيمة تدعوهم إلى التدبر و الاتعاظ، ثم حضت المسلمين على الجهاد في سبيل اللّه، و نهتهم عن البغي و الاعتداء. استمع إلى القرآن و هو يحرض المؤمنين على القتال و يرسم لهم حدوده و آدابه فيقول:
وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِين .
ثم فصلت السورة الحديث عن الحج، فتحدثت عن جانب من آدابه و أحكامه، و حضت المسلمين على الإكثار من ذكر اللّه، و أن يتجنبوا التفاخر بالأحساب و الأنساب، و أن يرددوا في دعائهم قوله- تعالى-:
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ.
و في الربع الثالث عشر نراها تبين لنا ألوان الناس في هذه الحياة، و أن منهم من يسعى في الإفساد و إهلاك الحرث و النسل، فإذا ما نصح أخذته العزة بالإثم، و تمادى في طغيانه و إفساده، و أن منهم من يبيع نفسه عن طواعية و اختيار ابتغاء مرضاة اللّه.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
ثم تبين لنا بأن الناس جميعا كانوا أمة واحدة، و أن هذه الحياة مليئة بالمصائب و المحن و الفتن، و أن العاقل هو الذي يقابل كل ذلك بإيمان عميق، و صبر جميل، حتى يفوز برضى اللّه يوم القيامة، و يظفر بنصره في الحياة الدنيا.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتی  نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ‏.
ثم تحدثنا السورة الكريمة في الربعين الرابع عشر و الخامس عشر حديثا جامعا عن النكاح‏
و ما يتعلق به من أحكام، فحدثتنا عن الإيلاء و عن الطلاق. و عن الرضاع، و عن العدة، و عن الخطبة، و عن غير ذلك مما يتعلق بهذا الشأن، ثم ختمت حديثها بهذه الآية الكريمة:
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون .
ثم عادت السورة في الربع السادس عشر منها إلى الحديث عن الملأ من بنى إسرائيل:
.. قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّه .
فساقت لنا قصتهم بأسلوب زاخر بالعظات و العبر، التي من أهمها أن الدين هو أساس العزة و المنعة، و أن الشدائد من شأنها أن تصهر النفوس فتجعلها تتجه إلى معالى الأمور، و أن الأمير يجب أن يكون له من قوة العقل و قوة الجسم و سعة العلم، و كمال التجربة- ما يقود به أمته إلى صالح الأمور، و أن العاقل هو الذي يسلك الوسائل السليمة لبلوغ غايته الشريفة، ثم يفوض الأمور بعد ذلك إلى اللّه.
و في الربع السابع عشر منها أفاضت في الحديث عن مظاهر قدرة اللّه و وحدانيته، و أقامت على ذلك من الأدلة ما يشفى الصدور، و يطمئن القلوب، و يزيد المؤمنين إيمانا، استمع إلى آية الكرسي و هي تصور عظمة اللّه و قدرته فنقول.
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ، وَ ما فِي الْأَرْضِ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ، وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ، وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم .
و بعد هذا الحديث عن مظاهر قدرة اللّه ساقت السورة في أواخرها أنماطا من التوجيهات التي تسعد المجتمع، و تنزع الأحقاد من قلوب الأفراد، فقد حضت المسلمين في جملة من آياتها على الإنفاق و الإحسان، و ضربت لذلك أروع الأمثال و نهتهم عن المن و الأذى، و صرحت بأن الكلمة الطيبة للسائل خير من العطاء الذي تتبعه الإساءة.
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيم .
ثم بعد أن عقدت مقارنه مؤثرة بين من ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه، و بين من ينفقونها رئاء الناس، بعد كل ذلك مدحت الفقراء الذين يتعففون عن السؤال، و لا يلجئون إليه إلا عند الضرورة القصوى فقالت: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ، وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ. لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً، وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم .
ثم حذرت السورة بعد ذلك المؤمنين من التعامل بالربا، و وصفت آكليه بصفات تنفر منها القلوب، و تعافها النفوس، و وجهت إلى المؤمنين نداء أمرتهم فيه بتقوى اللّه، و أنذرتهم بحرب من اللّه لهم إن لم يتوبوا عن التعامل بالربا فقالت:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُون .
ثم تحدثت بعد ذلك عن الديون و الرهون، فصاغت للمؤمنين دستورا هو أدق الدساتير المدنية في حفظ الحقوق و ضبطها و توثيقها بمختلف الوسائل، ثم ختمت السورة حديثها الجامع عن العقائد و الشرائع و الآداب و المعاملات، بذلك الدعاء الخاشع:
رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا، أَنْتَ مَوْلانا، فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِين .
تلك هي سورة البقرة، أ رأيت وحدتها في كثرتها؟ أ عرفت اتجاه خطوطها في لوحتها؟ أ رأيت كيف التحمت لبناتها و ارتفعت سماؤها بغير عمد تسندها؟ أ رأيت كيف ينادى كل عضو فيها بأنه قد أخذ مكانه المقسوم وفقا لخط جامع مرسوم، رسمه مربى النفوس و مزكيها، و منور العقول و هاديها و مرشد الأرواح و حاديها. فتاللّه لو أن هذه السورة رتبت بعد تمام نزولها، لكان جمع أشتاتها على هذه الصورة معجزة، فكيف و كل نجم منها كان يوضع في رتبته من فور نزوله، و كان يحفظ لغيره مكانه انتظارا لحلوله. و هكذا كان ما ينزل منها معروف الرتبة، محدد الموقع قبل أن ينزل.
لعمري لئن كانت للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات، و في أساليب ترتيبه معجزات، و في نبوءاته الصادقة معجزات، و في تشريعاته الخالدة معجزات، و في كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية و الكونية معجزات لعمري إنه في ترتيب آياته على هذا الوجه لهو معجزة المعجزات «1».
و بعد: فهذا عرض سريع لأهم مقاصد سورة البقرة، قدمناه بين يديها لنعطى القارئ الكريم صورة متميزة عنها. و من هذا العرض نرى أنها بجانب احتوائها على أصول العقائد، و على كثير من أدلة التوحيد، قد وجهت عنايتها إلى أمرين اقتضتهما حالة المسلمين، بعد أن
______________________________
(1) من كتاب «النبأ العظيم» ص 208 لفضيلة الدكتور محمد عبد اللّه دراز.

أصبحت لهم دولة بالمدينة يجاورهم فيها عدد كبير من اليهود.
أما الأمر الأول فهو توجيه الدعوة إلى بنى إسرائيل، و مناقشتهم فيما كانوا يثيرونه حول الرسالة الإسلامية من مؤامرات. و إماطة اللثام عن تاريخهم المظلم، و أخلاقهم المرذولة حتى يحذرهم المسلمون.
و أما الأمر الثاني فهو التشريع للدولة الإسلامية الفتية، و قد رأينا أن سورة البقرة في النصف الثاني منها قد تحدثت عن تلك الجوانب التشريعية حديثا مفصلا منوعا تناول أحكام القصاص، و الوصية، و الصيام و الاعتكاف و الحج، و العمرة، و القتال، و النكاح، و الإنفاق في سبيل اللّه.
و المعاملات المالية. إلى غير ذلك من التشريعات التي سبق الحديث عنها.

 

10. الجامع لأحكام القرآن

سورة البقرة
(بحول الله و كرمه، لا رب سواه) و أول مبدوء به
الكلام في نزولها و فضلها و ما جاء فيها، و هكذا كل سورة إن وجدنا لها ذلك، فنقول: سورة البقرة مدنية، نزلت في مدد شتى. و قيل: هي أول سورة نزلت بالمدينة، إلا قوله تعالى:" وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيه  «1» إِلَى اللَّه " [البقرة: 281] فإنه آخر آية نزلت من السماء، و نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، و آيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن.

 

11. الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

سورة البقرة
سورة البقرة- مدنية- و آياتها مائتان و ست و ثمانون اسماء السور القرآنية التي هي ايضا بتسمية الرسول و حيا، كترتيب السور و الآيات الذي يساور التنزيل في الوحي، مما يؤيد وحي التأليف، فالقرآن المفصل و حيان، وحي التنزيل و وحي التأليف، و لو أن مات الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) عن قرآن التنزيل مبعثرة الآيات دون تأليف، فكيف إذا هذه التسميات، هل هي تسميات مسبقة عن السور المسميات التي ألفها أناس بعد الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم)؟ و ما هي إلّا فوضى جزاف، يستحيل معها انضباط هذه الأسماء دون خلاف و اختلاف على مر العصور! فكما أن وحي التنزيل في محكم القرآن و مفصله من اللّه كذلك وحي الجمع و التأليف كما تدل عليه آية الجمع‏ «1».
و لقد روى تسمية هذه السورة ب «البقرة» جمّ غفير عن الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) «2» مما يؤكد أنها كغيرها ألفها الرسول (صلی اللّه عليه و آله و سلم) دون المؤلفين الزاعمين تأليف القرآن:
______________________________
(1). هي قوله تعالى: لا تحرك به لسانه لتعجل به. إن علينا جمعه و قرآنه .. راجع ج 29 ص 280 ففيها بحث موضوعي حول جمع القرآن.
(2). الدر المنثور 1: 18- أخرجه جماعة عن الحفاظ و ارباب السنن عن أبي امامة الباهلي و نواس بن سمعان و بريدة و ابن عباس و ابو ذر الهروي و محمد بن نصر و عبد الواحد بن أعين و ابن مسعود و أبي هريرة و أبي الدرداء و عبد اللّه بن مفضل و أبي مسعود و سهل بن سهل الساعدي و الحسن و معقل بن ياسر و السيد بن حضير و الصلصال بن الدلهمس و عروة و عائشة كل عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) أنها سورة البقرة. و روى انس و ابو سعيد الخدري و ربيعة الحرشي عنه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) ان لا تقولوا سورة البقرة و آل عمران بل السورة التي يذكر فيها البقرة. و من طريق أئمة اهل

و من لطيف الترتيب تقدّم فاتحة الكتاب كبراعة استهلال للكتاب، ثم سورة البقرة و هي اوّل ما نزلت في المدينة، تلمح لموقع الدولة الاسلامية فيها، كأنها بداية الإسلام، كما و أن تأريخ الإسلام يبتدء باوّل العهد المدني، و كأنما العهد المكي لم يكن من عهود الإسلام، رغم انه جذورها الأوّلية، مهما كان نماؤها في المدينة.

 

12. بيان المعانى

سورة البقرة
قد ذكرت في الجزأين المكيّين أن العدد الأول للسورة المفسرة بحسب النزول، و الذي يليه بالنسبة لما قبله، و الأخير بحسب ترتيب القرآن. نزلت هذه السورة الكريمة في المدينة المنورة عدا الآية 281 فإنها نزلت في مكة يوم النحر في حجة الوداع السنة العاشرة من الهجرة، و تسمى سورة الزهراء، و سنام القرآن، و هي أول خير بدأ به أهل المدينة بعد تلاوة المطففين. و ما قيل إن المطففين نزلت بالمدينة لا صحة له و إنما قال من قال به بسبب تلاوتها من حضرة الرسول عند قدومه.
و سميت بالبقرة لورود ذكرها فيها، و الزهراء لما روى مسلم عن أبي أمامه قال:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه،
اقرؤوا الزهراوين البقرة و آل عمران لأنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان (كل ما يظل الإنسان من سماء و غيرها) أو كأنهما فرقان من طير (الجماعة من الطير) صواف يحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة و تركها حسرة و لا تستطيعها البطلة (السحرة). و تسمى سنام القرآن لأن سنام كل شي‏ء أعلاه و كأن هذه التسمية كانت بسبب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: أي القرآن أفضل؟
فقالوا اللّه و رسوله أعلم، قال سورة البقرة، ثم قال أي آيها أفضل؟ قالوا اللّه و رسوله أعلم، قال آية الكرسي. و من منع تسميتها بالبقرة لا دليل له، لأن أغلب سور القرآن سميت بما جاء فيها كما بيناه في المقدمة. و هي مئنان و ست و ثمانون آية، و ستة آلاف و مئة و إحدى و ثمانون كلمة، و خمسة و عشرون ألفا و خمسمائة حرفا. لا نظير لها في عدد الآي.

 

13. تفسير اثنا عشرى

سورة البقره
اين سوره مباركه مدنى است، الّا آيه  وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه   «281» كه در حجة الوداع در «منى» نازل شده است.
عدد آيات آن: دويست و هشتاد و شش آيه باشد به عدد كوفى كه مروى از حضرت امير المؤمنين عليه السلام است.
كلمات آن: شش هزار و صد و بيست و يك كلمه است.
حروف آن: دويست و پنج هزار و پانصد حرف است.

 

14. تفسير احسن الحديث

سوره بقره در مدينه نازل شده و دويست و هشتاد شش آيه است

نظرى به سوره مباركه
1-  اين سوره اولين سوره است كه در مدينه بعد از هجرت نازل شده است، در مجمع البيان فرموده: همه اش مدنى است بجز آيه 281 وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... كه در حجة الوداع در «منى» نازل گشته است، تعداد آيات آن در قرائت كوفى دويست و هشتاد و شش می باشد و آن مورد قبول است زيرا كه بامير المؤمنين عليه السّلام می رسد، بعبارت اخرى، قرائت كوفى به عاصم بن ابى النجود می رسد كه بر ابو عبد الرحمن سلمى خوانده و او هم نزد آن حضرت خوانده است «1» ولى آيات آن در تعداد قرائت بصرى 287 و در قرائت حجازى 285 و در شامى 284 است، اين سوره داراى شش هزار و صد و بيست و يك كلمه و بيست و پنج هزار و پانصد حرف می باشد.
2- گفته اند كه اين سوره به يك بار نازل نگشته است بلكه هر بار قسمتى از آن به مقتضاى ضرورت نازل شده است، مثلا آيات تغيير قبله بايد در سال دوم هجرت نازل شده باشد زيرا تغيير قبله در پنجمين ماه سال دوم هجرت بوده است،
______________________________
(1)- سفينة البحار (عصم) و نيز مرحوم سيد صدر در «تأسيس الشيعة» فرموده:
«عاصم ابن ابى النجود قرء على ابى عبد الرحمن السلمى صاحب امير المؤمنين (ع) و هو قرء على امير المؤمنين (ع)».

بهر حال، وضع آن روز اسلام، لزوم نزول اين سوره را در وقتهاى مناسب ايجاب می كرد.
3- تسميه اين سوره به «بقره» ظاهرا بعلت گاوكشى بنى اسرائيل است كه جريان آن در آيات شصت و هفت تا هفتاد و سه بيان شده است ولى چرا سوره اى باين بزرگى و دريايى از حقائق با نام يك قضيه نامگذارى شده است، در تفسير آيات آن قصه، بيان خواهد شد.
4- بنا بر روايات شيعه و اهل سنت، اين سوره در زمان رسول خدا صلّى اللَّه عليه و آله حتى بزبان آن حضرت «بقره» ناميده شده است، طبرسى از سهل بن سعد نقل كرده كه رسول خدا فرمود: براى هر چيز سنام و سرآمد و قله اى هست، قله قرآن سوره بقره است:
«ان لكل شی ء سناما و سنام القرآن سورة البقرة ...»
و در روايتى آمده كه رسول خدا صلّى اللَّه عليه و آله جوانى را فرمانده گروهى از لشكريان خود نمود، گفتند يا رسول اللَّه سن او از همه ما كمتر است، فرمود: او سوره بقره را می داند «1». در تفسير كشاف نقل شده كه آن حضرت فرمود: آيات آخر سوره بقره از خزانه تحت عرش به من داده شده، آنها پيش از من به هيچ پيامبرى داده نشده است نظير اين روايات در تفسير برهان و عياشى و سائر تفاسير نيز نقل شده است.
5- اين سوره بزرگترين سوره قرآن مجيد است و دريايى از حقائق و معارف اسلامى در آن بيان گرديده است كه به ترتيب زير خلاصه می شود:
______________________________
(1)- مجمع البيان اول سوره بقره (فضلها) تفسير كشاف آخر سوره بقره.

1- تقسيم مردمان به سه گروه مؤمن، كافر و منافق، بيان ابتداى خلقت انسان و سجود ملائكه و امتناع شيطان، بررسى پرونده يهود در حدود صد آيه كه بزرگترين ضد انقلاب اسلامى در آن روز بودند.

2- بناى كعبه به دست ابراهيم و اسماعيل و مقدارى از حالات ابراهيم و جواب به يهود و نصارى كه آن حضرت را يهودى يا نصرانى می دانستند و دعاى آن بزرگوار درباره رسول خدا صلّى اللَّه عليه و آله.
3- تغيير قبله از بيت المقدس به كعبه و مقدارى از آيات توحيد و نفوذ اراده خدا در اداره جهان و محكوم نمودن بت پرستان.
4- مقدارى از محرمات اسلامى و شمّه اى از فرمانهاى سعادت بخش آن، و واجب شدن روزه و مقدارى از احكام آن و اشاره بحكم قصاص و وصيت ميت.
5- دستور جهاد با كفار و حدود آن، وجوب حج و مسائل حج و عمره و نيز بيان شراب و قمار و گناه بودن آنها.
6- مسائل مفصل نكاح و طلاق و عده و احكام زنان شوهر مرده.
7- جريان بنى اسرائيل كه از پيامبرشان فرمانده خواستند تا در ركاب او با دشمنان بجنگند، جريان طالوت و جالوت و داود و غلبه بنى اسرائيل بر دشمنان.
8- آية الكرسى، موقعيت خدا در جهان، زنده شدن پرندگان مرده به دعاى ابراهيم و زنده شدن آن پيامبر رهگذر بعد از صد سال و نشانه اى از معاد و قيامت موعود به طريق اعجاز.
9- آيات انفاق و بيان مختصرى در انفاق ريايى و نيز انفاقى كه براى طلب مرضاة خداست.
10- آيات ربا و قرض و سند قرض و شاهد گرفتن براى آن.
11- درخواستهاى مؤمنان در آيه اخير و مطالب تحسين انگيز آن.
بحق بايد گفت كه اين سوره دريايى از حقائق و نشان دهنده اسلام جاويدان می باشد لازم است كه در مطالب آن دقت كرد و با آنها آشنا شد با توجه به مطالب ياد شده می دانيم كه چرا رسول خدا صلّى اللَّه عليه و آله اين سوره را قله قرآن ناميده اند.

 

15. تفسير الوسيط

تفسير سورة البقرة
موقف الناس من القرآن الكريم
ابتدأ اللّه تعالى سورة البقرة، المدنيّة النزول (ما بعد الهجرة و لو في مكّة)، ببيان موقف الناس من القرآن الكريم، و ذكر أنهم ثلاثة أصناف، فمنهم من آمن به و عمل صالحا، و أولئك هم المفلحون، و منهم من كفر به و استكبر عن الحق قولا و عملا، و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. و منهم من آمن بالله و باليوم الآخر قولا باللسان فقط، و بقي قلبه مملوءا بالكفر و الضّلال، و أولئك لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، و هم المنافقون.
قال مجاهد: أربع آيات من أول البقرة نزلت في المؤمنين، و آيتان في الكفار، و ثلاث عشرة آية في المنافقين.
أما المؤمنون المتّقون فلهم أوصاف أربعة: الإيمان الصادق بالغيب الذي أخبر اللّه عنه، و قام الدليل عليه، فلا يقتصرون على المادّيات و المحسوسات، و إنما يؤمنون بما وراء المادة، و يقيمون الصلاة باعتبارها عماد الدين، و يؤتون الزكاة للفقراء و المساكين، و الزكاة أساس بناء المجتمع، كما أن الصلاة أساس بناء الفرد، و يؤمنون بجميع ما أنزل اللّه على رسله من الكتب السماوية و يؤمنون بالآخرة إيمانا يقينيا لا شبهة فيه، و لا شك.

 

16. تفسير جامع

(سوره بقره)
در مدينه و بعضى گفته اند در مكه نازل شده دويست و هشتاد شش يا هفت آيه می باشد و ششهزار و دويست و بيست و يك كلمه و بيست و پنج هزار و پانصد حرف است.

 

17. تفسیر كوثر

مشخصات اين سوره
اين سوره طولانی ترين سوره قرآن است و اين سوره و شش سوره بعد از آن را «السبع الطوال» يعنى هفت سوره طولانى می نامند و البته در ترتيب اين هفت سوره، طولانى بودن سوره رعايت نشده است زيرا مثلًا سوره انعام از سوره مائده طولانی تر است ولى بعد از آن آمده است.
نام اين سوره يعنى كلمه «بقره» كه به معنى گاو است از داستان گاو بنى اسرائيل اخذ شده كه تفصيل آن داستان در اين سوره آمده است. البته براى اين سوره دو لقب هم ذكر شده يكى «فسطاط القرآن» يعنى خيمه قرآن و ديگرى «سنام القرآن» يعنى بلنداى قرآن و اطلاق اين دو لقب به خاطر طولانى بودن و در ابتدا قرار گرفتن آن بعد از سوره حمد است.
بايد توجه داشت كه نامهايى كه براى سوره هاى قرآن ذكر شده همه آنها باصطلاح «توقيفى» است به اين معنا كه ما در آنها تابع اخبار و آثارى هستيم كه از پيامبر خدا و ائمه معصومين و صحابه نقل شده است و نمی توانيم از پيش خود نامى بر سوره اى بگذاريم. نام سوره هاى قرآن در روايات مختلف از جمله روايات مربوط به فضائل سوره ها آمده است.
سوره مباركه بقره در مدينه نازل شده به جز آيه 181 (وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَی الله) كه اين آيه در حجة الوداع نازل شده است.

دورنمايى از سوره
به خاطر طولانى بودن اين سوره ارائه دور نماى كاملى از آن كار مشكلى است ولى با مراجعه به آيات اين سوره به صورت اجمال می توان چنين فهرستى را از سوره ارائه كرد:
سوره با ذكرى از هدايتگرى قرآن شروع می شود و مردم را به سه دسته تقسيم می كند: مؤمنان، كافران و منافقان. سپس مردم را به عبادت خداوند فرامى خواند و آنگاه تحدّى می كند يعنى به مردم می گويد كه اگر در حقانيت قرآن ترديد داريد مانند آن را بياوريد سپس مثل هايى براى مردم می زند و به داستان خلقت آدم می پردازد.
در آيات بعدى مطالبى را خطاب به بنى اسرائيل بيان می كند و داستانهايى از بنى اسرائيل می آورد و سپس ذكرى از رسالت پيامبر اسلام كه تصديق كننده تورات و انجيل بود، به ميان می آورد. آنگاه از سليمان و سحر شياطين می گويد و بعد از آن سخنان يهود و نصارى را ذكر می كند و سپس يادى از ابراهيم می كند و اينكه او با فرزندش كعبه را ساختند آنگاه درباره تغيير قبله از بيت المقدس به مكه سخن به ميان می آورد و ضمن توصيه به صبر و نماز از شهيدان در راه خدا ياد می كند.
ذكر بعضى از پديده هاى آفرينش مطلبى است كه در پى می آيد و به دنبال آن از مشركان و اينكه در روز قيامت سزاى اعمال خود را خواهند ديد صحبت می شود و بلافاصله ايمان و اوصاف مؤمنان ذكر می شود.
آنگاه درباره بعضى از فروع دين و احكام فرعى مانند قصاص و وصيت و اكل مال به باطل و روزه دارى و جهاد و حج سخن گفته می شود آنگه درباره اين وظيفه پيامبران كه ايجاد وحدت ميان افراد بشر است بحث می شود سپس ضررهاى قمار و شراب بيان می گردد و پس از آن بعضى از احكام شرعى كه مربوط به حقوق خانواده است تبيين می شود. در آيات بعدى داستان طالوت و جالوت سپس ذكرى از قيامت می آيد و بعد از آن بعضى از اوصاف الهى بيان می شود و با ذكر داستان ابراهيم و نمرود پيگيرى می شود. آنگاه مطالبى درباره انفاق و اثرات آن در پى می آيد و نيز حكم ربا و قرض و اينكه در موقع قرض دادن بايد قراردادنامه اى نوشته شود و شاهد گرفته شود سخن به ميان می آيد.
در دنباله سوره اين حقيقت كه ميان پيامبران فرقى وجود ندارد بيان می شود و سوره با تعليم دعايى پايان می يابد.

 

18. تفسير نور

سيماى سوره بقره
اين سوره كه دويست و هشتاد و شش آيه دارد، در مدينه نازل شده و بزرگترين سوره قرآن است.
علت نامگذارى آن به بقره، داستان بسيار زيباى گاو بنی اسرائيل است كه در آيات 67 تا 73 بيان شده است.
محتواى سوره به علت طولانى بودن، دربردارنده مطالب گوناگون اعتقادى، فقهى، عبادى از قبيل توحيد و هستی شناسى و معاد و حيات پس از مرگ، تشريع قوانين عبادى، اخلاقى و فردى و اجتماعى بسيارى است. همچنين مسائل مربوط به وحى و اعجاز كتاب آسمانى و خدمات اجتماعى از قبيل بخشش و انفاق و احسان و جنگ و جهاد با دشمنان و قانون قصاص را در خود جاى داده است.
در اين سوره آية الكرسى و آيه دين كه بزرگترين آيه قرآن است، ماجراى تغيير قبله، بهانه تراشی هاى بنی اسرائيل، آفرينش حضرت آدم و نافرمانى شيطان و فرازهايى از تاريخ تعدادى از پيامبران مانند حضرت آدم و ابراهيم و موسى عليهم السلام و داستان هاروت و ماروت و طالوت و جالوت بيان شده است.
از آنجايى كه دو سوره بقره و آل عمران احكام فقهى و اسماء و صفات نورانى الهى بسيارى را در خود جاى داده اند، به آنها «زهراوان» يعنى دو سوره بسيار درخشان گفته اند.

 

19. حجة التفاسير و بلاغ الإكسير

سورة البقرة
سوره بقره مدنی، مشتمل بر: 286 آيه. 6221 كلمه. 25500 حرف.

سوره بقره علاوه بر احكام تشريعيه و مطالب تحقيقيه خلاصه و عصاره «توراة» و قسمتى از كتب ملحقات بآن را محققانه و پيراسته از تحريفات و تغييرات و تبديلات و تصحيفات منعكس كرد.

 

20. روض الجنان و روح الجنان فى تفسيرالقرآن

سوره البقرة
مائتين و ثمانين و ستّ اية بدان كه اين سورت دويست و هشتاد و شش آيت است در عدد كوفيان، و آن عدد امير المؤمنين على است- عليه السلام، و هفت به عدد بصريان، و پنج به عدد مدنيان.
و سورت مدنى است جمله به يك روايت، و به روايتى ديگر يك آيت مدنى نيست كه به حجّة الوداع‏ انزله بود، و هى قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه - الاية. و عدد كلمات او شش هزار و دويست و بيست و يك كلمه است، و بيست و پنج هزار [و پانصد] حرف است.

 

21. سواطع الالهام فى تفسير القرآن

(سورة البقرة)
سمّوها لورود أحوالها و محامد أطوارها و سطوع أسرارها و إعلاء أمورها ممّا طال كلامه، موردها مصر رسول اللّه.

و حاصل أصول مدلولها:
مدح الكلام المرسل له علاه السّلام و أهل الإسلام و الورع، و ردّ أهل الصّدود، و أسر آدم و علمه الأسماء كلّها و كوحه الأملاك و إكرامه علاهم.
و لوم علماء الهود و إعلام أحوال رسولهم و عمل رهطه معه، و حال ولد داود و لوم أهل السّحر، و ردّ رهط روح اللّه و إكمال ودود اللّه لكلمه و أحكامه لمّا محّصه اللّه و مؤسّسه الودع، و أمره و أمر إسرال أولادهما لسلوك صراط الإسلام و وطودهم علاه حال ورود السّام و حول ما صلّوا سدو الودع، و الأمر لحمل المكاره و الصّلاح و عدو المحرم و معساه وسط أطواد الحرم و صدع ادلاء وجود اللّه، و الأمر لأكل الحلال، و إعلام كسر ممّا حرم أكله و إحلال ما وصله السام و ما سدح، و اعداد حال السّعاد المهلك و حكم ما أهلك مع الصّارم حدلا و روم الحلال، و حكم هادر الدّم، و أمر الصّوم العصر المعهود المعمول الحال، و الرّدع عمّا أكل مال أحد مع الأمر المحرم، و أمر العماس لاعلاء الإسلام و إكمال طوع لسم أداؤه مع الإحرام، و سؤال أولاد إسرال عمّا آلاء أعطاها اللّه لهم، و حكم العماس وسط الأعصار الحرم، و السّؤال عمّا الرّاح و اللّهو المعهود مع السّهام، و مال حساكل هلك و الدوهم، و احمام الأعراس حال دم الرّحم المعهود و صدع أحكامها، و حكم الأهول و السراح و ادّكار ما حدّد اللّه لعرس الهالك و المسرح‏ لحلّ الأهول و لسوم إعطاء المأكل، و الكساء للأعراس و الأولاد الحساكل و محرّص اللّه أولاد آدم لاعطاء المال للّه، و إعطاء اللّه ملكا لأولاد اسرال لمّا سألوا رسولهم ملكا لعماس الأعداء، و إهلاك داود عدوّا دلع ملك الهود المسطور مع عسكره لعماسه و مراه عدوّ اللّه مع ودود اللّه و السام الودود له، و إعطاء اللّه العمر للهلاك لسؤال ودود اللّه، و مدح إعطاء المال للّه و وصمه لأداء أهل العالم و أسماعهم و إحرام الرّما و إحلال السّلم.

 

22. فتح القدير

سورة البقرة
ترتيبها 2 آياتها 286 قال القرطبي في تفسير سورة البقرة: مدنية نزلت في مدد شتى. و قيل هي أوّل سورة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالی  وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه  «1» فإنها آخر آية نزلت من السماء، و نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، و آيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن انتهى. و أخرج أبو الضريس في فضائله، و أبو جعفر النّحاس في الناسخ و المنسوخ، و ابن مردويه و البيهقي في دلائل النبوة، من طرق عن ابن عباس قال:
نزلت بالمدينة سورة البقرة. و أخرج ابن مردويه عن عبد اللّه بن الزبير مثله. و أخرج أبو داود في الناسخ و المنسوخ، عن عكرمة قال: أوّل سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة.

 

23. مجمع البيان فى تفسير القرآن

سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون و مائتان (286).
[نزول]
مدنية كلها إلا آية واحدة منها و هي قوله وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه  الآية فإنها نزلت في حجة الوداع بمنى عدد آيها مائتان و ست و ثمانون آية في العدد الكوفي و هو العدد المروي عن أمير المؤمنين علي ع و سبع في العدد البصري و خمس حجازي و أربع شامي خلافها إحدى عشر آية عد الكوفي‏ الم  آية و عد البصري‏ إِلَّا خائِفِين آية و قَوْلًا مَعْرُوفاً بصري‏ عَذابٌ أَلِيم شامي‏ مُصْلِحُون غيرهم  يا أُولِي الْأَلْبابِ‏ عراقي و المدني الأخير من خلاف الثاني غير المدني الأخير يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُون مكي و المدني الأول تَتَفَكَّرُون كوفي و شامي و المدني الأخير الْحَيُّ الْقَيُّوم مكي بصري و المدني الأخير مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. المدني الأول و روي عن أهل مكة وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ.

 

24. تفسير نمونه

محتواى سوره بقره
اين سوره كه طولانی ترين سوره هاى قرآن مجيد است مسلما يك جا نازل نشده، بلكه در فواصل مختلف، و به مناسبتهاى نيازهاى گوناگون جامعه اسلامى، در مدينه نازل گرديده است.
ولى با اين حال جامعيت آن از نظر اصول اعتقادى اسلام و بسيارى از مسائل عملى (عبادى، اجتماعى، سياسى و اقتصادى) قابل انكار نيست.
چه اينكه در اين سوره:
1- بحثهايى پيرامون توحيد و شناسايى خدا مخصوصا از طريق مطالعه اسرار آفرينش آمده است.
2- بحثهايى در زمينه معاد و زندگى پس از مرگ، مخصوصا مثالهاى حسى آن مانند داستان ابراهيم و زنده شدن مرغها و داستان عزيز.
3- بحثهايى در زمينه اعجاز قرآن و اهميت اين كتاب آسمانى.
4- بحثهايى بسيار مفصل و طولانى درباره يهود و منافقان و موضع‏ گيريهاى خاص آنها در برابر اسلام و قرآن، و انواع كارشكنيهاى آنان در اين رابطه.
5- بحثهايى در زمينه تاريخ پيامبران بزرگ مخصوصا ابراهيم (علیه السلام) و موسى (علیه السلام).
6- بحثهايى در زمينه احكام مختلف اسلامى از جمله نماز، روزه، جهاد در راه خدا، حج و تغيير قبله، ازدواج و طلاق، احكام تجارت و دين، و قسمت مهمى از احكام ربا و مخصوصا بحثهاى فراوانى در زمينه انفاق در راه خدا، و همچنين مساله قصاص و تحريم قسمتى از گوشتهاى حرام و قمار و شراب و بخشى از احكام وصيت و مانند آن.
و اما نامگذارى اين سوره به" البقره" به خاطر داستانى است در مورد گاو بنى اسرائيل كه شرح آن در آيات 67 تا 73 به خواست خدا خواهد آمد.